وصلتنى رسالة من الدكتورة رشا ماضى، استشارى تطوير المؤسسات بأدنبرة - إنجلترا.. تقول د. رشا فى رسالتها: كثيراً ما يتم الخلط فى وسائل الإعلام بين التنمية البشرية وتنمية الموارد البشرية، بل ويخرج علينا من يطلقون على أنفسهم «خبراء التنمية الإدارية وتنمية الموارد البشرية» ثم يتحدثون عن أسباب السعادة الزوجية والأهداف الحياتية فى المطلق ولا يتطرقون أبداً للحديث عن النظم المؤسسية الفعالة التى ترفع من كفاءة المؤسسات. التنمية البشرية، يا سادة، نوعان: النوع الأول مهارات حياتية لتحسين أسلوب الحياة مثل مهارات التفكير الإيجابى وحل المشكلات والتواصل، والنوع الثانى هو المعنية به هيئات التنمية الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها، وتعمل على الحد من الفقر والتمكين الاقتصادى عن طريق الحد من البطالة بالتدريب المهارى الذى يلبى احتياجات سوق العمل، ويندرج ذلك تحت مشاريع التنمية البشرية. أما تنمية الموارد البشرية فهى الإدارة المعنية بشئون الموظفين داخل المؤسسات، وتنقسم إلى عدة أقسام، لكل قسم وظائفه التى تسهم بدرجة كبيرة فى رفع كفاءة المؤسسات وتغيير الثقافات المجتمعية عندما يعمل الموظفون على تطبيق تلك الممارسات الإيجابية خارج نطاق المؤسسة، بل وتقوم الدول المتقدمة بدمج سياسات هذه الأقسام فى المناهج التعليمية لتخريج أجيال قادرة على التفاعل الإيجابى مع المجتمع. تعمل إدارة تنمية الموارد البشرية على عدة مستويات منها: - تطبيق قوانين تضمن حقوق الموظفين وصاحب العمل، كما تتابع قيامهم بالواجبات المنوطة بهم. ويشمل ذلك تطبيقات قانون التأمينات وقانون العمل، والسؤال هو: هل تقوم المؤسسات فعلاً بهذه التطبيقات أم يتم التحايل عليها بإدراج بنود مجحفة فى العقود باعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين؟ - هيكلة الأجور والمزايا المالية لكل مستويات الموظفين بشكل عادل تتم مراجعتها كل سنة لتتماشى مع تحديات وتغيرات السوق، والسؤال هو: هل يتم توزيع الموارد المالية داخل المؤسسات بشكل عادل يقلل الفجوات المبالغ فيها بين الأجور، بما يقلل من الاحتقان الوظيفى والإضرابات؟ - تدريب وتطوير مهارات العاملين الفنية والتعاملية التى تغطى فنيات وآليات الوظيفة وتحسين طرق تعاملات الموظفين مع ذويهم ومديريهم وعملائهم عن طريق تحديد منظومة هذه المهارات لكل، وظيفة إلى جانب معايير جودة الأداء وتدريب الموظفين عليها لتنمية سلوكيات مؤسسية إيجابية مثل الأسلوب الابتكارى فى التفكير وحل المشكلات بطرق غير تقليدية والإدارة الفعالة لمجموعات العمل والتواصل الإيجابى، وكلها فى إطار مؤسسى وليس فى المطلق. ويتم قياس هذا كله فى منظومة متكاملة تُعرف بتقييم الأداء الوظيفى، يخرج منها حافز مالى لتشجيع الأداء الإيجابى وخطط تدريبية لعلاج الأداء السلبى. ونتساءل هنا: إلى أى مدى يضعف المستوى المهارى الفنى والتعاملى للموظفين بالأخص داخل المصالح الحكومية؟ كم من مواهب قيادية تهدر ونصدرها للخارج ونحن فى أمسّ الحاجة إليها؟ تنمية المواهب والقيادات الإدارية التى تستطيع إدارة المؤسسة فى المستقبل تهدف إلى إدخال الموظف فى حلقات مستمرة من التطوير تقيه شرور الجمود الفكرى الناتج عن عدم تعلم مهارات جديدة لسنوات طويلة، مما يزيد بدوره قدرة الموظفين على التعامل الفعال مع كافة التغييرات المؤثرة فى وظائفهم داخل وخارج المؤسسة، وهو ما يُعرف عالمياً بـ«إدارة التغيير». - تطبيق معايير التوظيف داخل المؤسسات بما يمنع تضارب المصالح ويؤكد على التوظيف على أساس مهارى وخبراتى وليس بالوسائط والمحسوبيات وتعيين الأقارب. والسؤال هو: هل يستطيع أن يعمل هذا القسم فى هيئات بأكملها تعتمد على توريث الوظائف؟ وجدير بالذكر أن كل برامج «التوك شو» التى تركز بصورة هزلية على الهجوم على الماضى وتهمل توظيف العلم فى بناء المستقبل تتساءل: «مصر رايحة على فين؟»، والإجابة فى المثل الصينى: «إذا لم تحدد الجهة التى أنت ذاهب إليها فستبقى مكانك». والتساؤل الثانى: «نبتدى منين؟»، والإجابة فى تطوير المؤسسات من الداخل بتفعيل نظم مؤسسية متطورة، فتتحسن خدمات الصحة والتعليم والأمن وغيرها، فكل خدمة عامة هى نتاج لأداء المؤسسة التى تنتمى إليها. يكفى الحديث عن دمج وفصل الوزارات فى وقت يجب التركيز فيه على كفاءة النظم الإدارية التى تعمل بها هذه الوزارات، تلك النظم التى ترقى بها المؤسسات وتتقدم بها الأمم وتقلل بها الفساد الإدارى فى الوقت الذى يخرج علينا خبراء تنمية الموارد البشرية فى وسائل الإعلام ليتحدثوا عن السعادة الزوجية، فنحدثهم عن العلم الذى لا يكيّل بالباذنجان.